ارتفاع قمة إفرست: قصة جبل لا يُقهر
تعد قمة جبل إفرست، أعلى قمة جبلية في العالم، أحد المعالم الجغرافية الطبيعية الأكثر شهرة وإثارة في تاريخ كوكب الأرض. تقع في سلسلة جبال الهملايا، على الحدود بين نيبال ومنطقة التبت الصينية. منذ اكتشافها كأعلى قمة على وجه الأرض، أصبحت إفرست تمثل تحديًا فريدًا للمتسلقين المحترفين، ومحط اهتمام العلماء والباحثين من جميع أنحاء العالم. لم يكن هناك شك في أن هذا الجبل هو واحد من أعظم الإنجازات الطبيعية التي تقدمها الأرض للبشر، ولكن هل عرفنا حقًا كل شيء عن ارتفاعه؟ وهل تعرفنا على ما وراء ذلك؟
تاريخ اكتشاف قمة إفرست
تاريخ قمة جبل إفرست يشهد على سعي الإنسان المستمر لاكتشاف ما وراء الآفاق. في البداية، لم يكن هذا الجبل معروفًا على أنه الأعلى في العالم، لكن كان يعرف باسم “جبل 15” أو “القاعدة 15” ضمن حسابات المسح الجغرافي. في عام 1865، أطلق المستكشف البريطاني أندرو ويمبرلي الاسم الرسمي “إفرست” تيمناً بالسير جورج إفرست، وهو موظف بريطاني كان يشرف على رسم الخرائط في الهند. وعلى الرغم من أن هذا الاسم لا يعكس الواقع المحلي للجبل، إلا أنه بقي ليعبر عن هذه القمة المهيبة.
قمة إفرست والارتفاع المثير للجدل
عندما نتحدث عن ارتفاع قمة إفرست، فإننا نتطرق إلى قضية جغرافية وعلمية لا يزال العلماء يدرسونها حتى اليوم. في البداية، كان يعتقد أن ارتفاع قمة إفرست هو 8,848 مترًا فوق سطح البحر، وهو الرقم الذي تم اعتماده لفترة طويلة، بناءً على مسوحات هندسية أجريت في منتصف القرن العشرين.
لكن في الآونة الأخيرة، طرأت بعض التغييرات المثيرة في تقدير ارتفاع القمة، حيث أعلنت نيبال في عام 2020 عن ارتفاع جديد قدره 8,848.86 مترًا، بناءً على مسح جديد شارك فيه فريق من الخبراء باستخدام تقنيات حديثة. أما الصين فقد أعلنت في نفس العام أن ارتفاع القمة هو 8,844.43 مترًا، معتمدةً في ذلك على حساباتها الخاصة.
ما الذي يؤثر في قياس ارتفاع قمة إفرست؟
عدة عوامل تلعب دورًا في قياس ارتفاع قمة جبل إفرست، ولعل أبرزها:
-
التحركات التكتونية: تقع قمة إفرست على الحدود بين صفيحة الهند وصفيحة أوراسيا. نتيجة لهذه التحركات التكتونية المستمرة، تتغير مستويات الأرض بشكل دوري، مما يؤدي إلى تغيير طفيف في ارتفاع القمة مع مرور الزمن.
-
التغيرات المناخية: تسهم التغيرات في الأحوال الجوية والمناخية في تشكيل سطح الأرض على مر العصور. ذوبان الأنهار الجليدية أو تراكم الثلوج قد يكون له تأثير طفيف على قياسات ارتفاع الجبل.
-
التقنيات الحديثة: من أجل الوصول إلى قياسات دقيقة، يعتمد العلماء الآن على تقنيات متقدمة مثل المسح باستخدام الأقمار الصناعية، ورصد المواقع بواسطة أجهزة تحديد المواقع العالمية (GPS)، وهذه التقنيات تتمتع بدقة عالية، مما يسمح بالتوصل إلى نتائج أكثر موثوقية.
-
التحولات في سطح الجبل: كما هو الحال مع أي جبل مغطى بالثلوج والجليد، يمكن أن تؤثر الظروف الجوية على حجم الثلج والجليد في القمة، مما يجعل قياس الارتفاع صعبًا بشكل مستمر. في بعض الحالات، يؤدي تراكم الثلوج أو ذوبان الجليد إلى تغيرات في سطح الجبل التي يجب أخذها بعين الاعتبار.
ما الذي يجعل قمة إفرست فريدة؟
-
الظروف البيئية القاسية: تقع قمة جبل إفرست في منطقة تعاني من ظروف بيئية قاسية للغاية. درجات الحرارة المنخفضة، الرياح العاتية، ونقص الأوكسجين هي بعض التحديات التي تواجه المتسلقين. في القمة، يوجد نسبة أكسجين أقل بنسبة 33% مقارنة بمستوى البحر، مما يجعل التنفس صعبًا جدًا على البشر، ولهذا السبب يحتاج المتسلقون إلى أجهزة تزويد الأوكسجين في أغلب الأحيان.
-
الارتفاع المحير: واحدة من الظواهر المثيرة حول جبل إفرست هي طريقة تفاعله مع الجسم البشري. في هذه الارتفاعات الشاهقة، يشعر الجسم بضغط شديد، ما يسبب نقصًا في إمدادات الأوكسجين إلى الأنسجة والخلايا. هذا يُعرف بمرض المرتفعات، وهو أمر يصعب التعامل معه دون المعدات أو الإعداد الجيد.
-
المسافة الأفقية والطول: يعتبر إفرست من حيث المسافة الرأسية من أقرب المحيطات أحد أكثر الجبال المدهشة. يُعتبر إفرست أطول جبل على الأرض إذا تم قياسه من مركز الأرض، وليس فقط من مستوى سطح البحر، حيث أن الأرض نفسها ليست كروية تمامًا، مما يجعل النقطة المركزية من سطح الأرض أقرب إلى الجبل من أي مكان آخر في العالم.
أهمية إفرست في السياحة والمغامرة
منذ أن أصبح جبل إفرست نقطة جذب للمغامرين من مختلف أنحاء العالم، أصبح يتسبب في تأثيرات هائلة على الاقتصاد المحلي في نيبال. تجذب المنطقة العديد من متسلقي الجبال المحترفين، وكذلك هواة التسلق الذين يرغبون في التحدي، مما يسهم في تعزيز قطاع السياحة في نيبال. ومع ذلك، يأتي هذا مع تحديات كبيرة من حيث الأمن وحماية البيئة. فالحركة الكثيفة للمغامرين على هذا الجبل تتسبب في تدهور البيئة وزيادة حجم النفايات.
الهبوط من قمة إفرست: تحدي أكبر من الصعود
قد يعتقد البعض أن الوصول إلى قمة إفرست هو الإنجاز الأسمى، ولكن الهبوط من القمة يعد تحديًا لا يقل أهمية. فعند الوصول إلى القمة، لا يتوقف الجسم عن التكيف مع نقص الأوكسجين والظروف البيئية القاسية. الهبوط، في بعض الحالات، يمكن أن يكون أصعب من الصعود بسبب الضعف الناتج عن الجهد الكبير والتعرض للظروف القاسية في أعلى الجبل. كما أن حدوث ظاهرة “الجوع الأوكسجيني” قد يؤدي إلى مشاكل صحية تتطلب تدخلاً عاجلاً.
التسلق إلى قمة إفرست: رحلة مأساوية في بعض الأحيان
رغم أن العديد من المتسلقين قد نجحوا في الوصول إلى قمة إفرست، إلا أن هناك أيضًا العديد من الحوادث المأساوية التي وقعت على مر السنين. من المعروف أن مئات الأشخاص قد لقوا حتفهم أثناء محاولاتهم تسلق الجبل. البعض منهم قد توفي بسبب ظروف الطقس القاسية، بينما توفي آخرون بسبب نقص الأوكسجين أو بسبب الإجهاد. وعلى الرغم من هذه المخاطر، لا يزال الجبل يجذب المغامرين من جميع أنحاء العالم، الذين يسعون إلى تحقيق حلمهم في الوقوف على القمة.
الخلاصة
في نهاية المطاف، يبقى جبل إفرست رمزًا للتحدي البشري، وواحدة من أعظم الظواهر الطبيعية في العالم. ارتفاعه ليس مجرد رقم، بل هو شهادة على قوة الطبيعة، وتحدي الإنسان الذي لا ينتهي. ورغم كل ما يمكن أن يقال عن التقنيات الحديثة والبحوث الجغرافية، تظل قمة إفرست موضوعًا غنيًا يستحق الاستكشاف والتأمل، حيث تكمن فيه العديد من الأسرار العلمية والطبيعية التي لم تكتمل معرفتها بعد.
